من الداخلة إلى الصويرة: الأستاذ / الكاتب: حسن لحويدك يعرض دور الثقافة الحسانية في السلام

0

      
شارك الأستاذ / الكاتب حسن لحويدك، الناشط والجمعوي الصحراوي والمدافع عن الوحدة الترابية، في المؤتمر الدولي للهويات المتعددة الثقافات “ذاكرة متحركة”، الذي ترأسه السيد أندري أزولاي، مستشار الملك محمد السادس، المنعقد بالصويرة يومي 12 و13 شتنبر الجاري.
 وقد تناول لحويدك خلال مداخلته موضوع “بناء رؤية جديدة للسلام بطرح الهوية الصحراوية الحسانية”، مسلطًا الضوء على دور الثقافة في تعزيز قيم المشترك الإنساني للسلام، وأهمية الثقافة الحسانية في بناء جسور الحوار والتعايش بين الثقافات.
 وفي كلمته، أعرب لحويدك عن امتنانه لمنظمي المؤتمر، مشيدًا بأهمية المبادرات الثقافية في دعم جهود المؤسسات والمنظمات التي تسعى لغرس قيم الانفتاح والحوار والتضامن، معتبرًا الثقافة وسيلة أساسية لترسيخ قيم السلام والوئام بين الشعوب، مهما اختلفت ألسنتها وحضاراتها وأديانها.
 وأشار المتحدث إلى أن الهوية المغربية، وفق دستور المملكة، تتميز بتعدد مكوناتها، من العربية والإسلامية إلى الأمازيغية والحسانية، مؤكداً على أن الثقافة الحسانية جزء أصيل من هذه الهوية الموحدة. وأضاف أن دستور المملكة يكرس حماية اللهجات والموروث الثقافي الحساني باعتباره ركيزة أساسية للهوية الوطنية المغربية.
 كما استعرض لحويدك حرص الملك محمد السادس على الحفاظ على التراث الثقافي الصحراوي وتعزيز الثقافة الحسانية، مؤكدًا أنها ليست مجرد جانب اقتصادي أو محلي، بل مشروع مجتمعي متكامل يهدف لصيانة كرامة الإنسان وتعزيز الانفتاح على القيم الحضارية العالمية.
 ولفت إلى أن الثقافة الحسانية، بشقيها المادي والمعنوي، تحمل قيم السلام والتعايش والكرم والتضامن، وهي تعكس تواصل الحاضر مع الماضي واستشراف المستقبل، مؤكداً أن الشعر الحسانى والأمثال الشعبية تحمل رسائل إنسانية تحث على الحوار والتعاون والاحترام المتبادل.
كما أبرز لحويدك أن الثقافة الحسانية لعبت دورًا تاريخيًا في الربط بين الثقافات والحضارات، من العربية والأمازيغية إلى الإفريقية، مؤكداً أنها تشكل جسراً للتبادل المعرفي والحضاري بين الشمال والجنوب.
 واختتم مداخلته بالتأكيد على أن الثقافة الحسانية ليست مجرد ذاكرة محلية، بل رصيد إنساني عالمي يعزز السلام والتواصل بين الشعوب، داعياً إلى العمل على صون هذا التراث ونشر رسائله الإنسانية باعتباره جسرًا للمحبة والتعايش.


 نص مداخلتي عن بعد ، من الداخلة ، في
” المؤتمر الدولي للهويات المتعددة الثقافات ، ذاكرة متحركة ” الذي ترأسه السيد أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره لله ، المنعقد بالصويرة يومي 12و13 شتنبر الجاري
Colloque international ” Les identités multiculturelles, une mémoire en mouvement “
وقد تناولت في أشغال فعاليات هذا المؤتمر الدولي، موضوع :
” بناء رؤية جديدة للسلام بطرح الهوية الصحراوية الحسانية “ودور الثقافة في تعزيز قيم المشترك الإنساني للسلام من خلال الثقافة الحسانية


☆ نص المداخلة :

الحمد لله الذي جعل التنوع الثقافي ثراءً للإنسانية، والصلاة والسلام على نبي النعمة المسداة و الرحمة المهداة .

  • السيد أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة، الرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور .
  • السيد عبد الله أوزيتان الرئيس المؤسس لمركز الدراسات والأبحاث حول القانون العبري بالمغرب .
  • السيد فريد الباشا الرئيس المؤسس “دار المغرب للسلم والتسامح”
  • السيد رشيد باجي مختص في الثقافة والهوية الحسانية في عمقها الإفريقي

السيدات والسادة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله .
تحية عالية ملؤها المحبة والمودة من الداخلة لؤلؤة الصحراءالمغربية للمملكة المغربية الشريفة .

يشرفني أن أشارك معكم في هذا ” المؤتمر الدولي للهويات المتعددة الثقافات ، ذاكرة متحركة ” ، حول موضوع : ” بناء رؤية جديدة للسلام بطرح الهوية الصحراوية الحسانية “،
موضوعٍ ذي راهنية بالغة يتعلق بدور الثقافة في تعزيز قيم المشترك الإنساني للسلام . ويسعدني ، أن أتطرق في هذا الصدد ، إلى أهمية دور الثقافة في تعزيز قيم المشترك الإنساني للسلام من خلال الثقافة الحسانية .
بادى ذي بدء ، اتقدم بوافر الشكر لمنظمي هذه المبادرة ذات الابعاد الثقافية الانسانية ، التي من شانها ، لا محالة ، أن تساهم في دعم المجهودات الفردية و المؤسساتية التي تبذلها المنظمات و الفعاليات الثقافية التي تعزز بمبادراتها و انخراطها المواطن ، في سياق التربية المدنية ، ما يكرس وظيفة الثقافة ، اليوم و أكثر من أي وقت مضى، في غرس قيم الحوار و الانفتاح و العيش والتضامن من أجل عالم يتحدث بلغة السلام و المحبة و الاخوة والوئام ، مهما اختلفت الألسن و الثقافات والحضارات و الاديان ..
و لان مجال تناولي هو الثقافة الصحراوية الحسانية بجنوب المملكة المغربية الشريفة ، اجدني ملزما بتقديم توطئة اشير من خلالها، بداية ، بان دستور المملكة المغربية يؤكد في ديباجته على ان المغرب دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء .
وبخصوص الموروث الثقافي الحساني، بشقيه المادي و غير المادي، ينص الفصل الخامس منه على ان الدولة تعمل على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية .
وفي السياق نفسه ، وتماشيا مع العناية السامية الفائقة التي يوليها عاهلنا الكريم جلالة الملك محمد السادس للموروث الثقافي الحساني، جدير ذكره ان جلالته ، حفظه الله ، ما فتئ يؤكد على حرصه الشديد على العناية بالثقافة الحسانية ؛ فقد اكد جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء ، على انه،”… لا يمكن اختزال هذا النموذج في الجانب الاقتصادي فقط، وإنما هو مشروع مجتمعي متكامل، يهدف للارتقاء بالإنسان وصيانة كرامته، ويجعله في صلب عملية التنمية.
ومن هنا، فإنه يعطي مكانة خاصة للحفاظ على التراث الثقافي والحضاري الصحراوي. فنحن نعرف مكانته في قلوب ووجدان أهل المنطقة .
ومن هنا، فإننا نحرص على العناية بالثقافة الحسانية، والتعريف بها، من خلال توفير البنيات والمرافق الثقافية، وتشجيع المبادرات والتظاهرات الفنية، وتكريم أهل الفن والثقافة والإبداع.
وذلك على غرار كل مكونات الهوية المغربية الموحدة. إذ لا فرق عندنا بين التراث والخصوصيات الثقافية واللغوية بكل جهات المغرب، سواء بالصحراء وسوس، أو بالريف والأطلس، أو بالجهة الشرقية.
فالعناية بالموروث الثقافي المحلي، لا تعني أبدا التشجيع على التعصب أو الانغلاق، ولا يمكن أن تكون دافعا للتطرف أو الانفصال، وإنما تجسد اعتزازنا بتعدد وتنوع روافد الهوية الوطنية، في ظل المغرب الموحد للجهات.
فمسؤوليتنا الجماعية تتمثل في صيانة هذا الرصيد الثقافي والحضاري الوطني، والحفاظ على مقوماته، وتعزيز التواصل والتلاقح بين مكوناته، في انفتاح على القيم والحضارات الكونية، وعلى عالم المعرفة والتواصل ” .
(انتهى المقتطف من خطاب جلالة الملك. )
وعلى هذا الأساس ، واعتبارا لكون المغرب هو فسيفساء من الثقافات المتنوعة الضاربة في جذور أعماق التاريخ السحيق ، فالحسانية جزء من هذا المروث الوطني للامة المغربية الموحدة ، وركيزة أساسية من ركائز الهوية الوطنية، لذلك تمت دسترتها وصيانتها وتثمينها لما تكتسيه من أهمية عميقة في تعزيز الهوية الوطنية المغربية ، وما تعكسه من جذور في تاريخ الصحراء المغربية.
ولعل ما تزخر به الثقافة الحسانية من القيم النبيلة المتمثلة في العادات والتقاليد التي تجسد السلام والتعايش والكرم والتضامن بين المكونات القبلية داخل المجتمع الصحراوي ، هي التي جعلتها تضمن استمراريتها جيلا بعد جيل ، رابطة حاضر المغرب بماضيه ، مستشرفة آفاق المستقبل ، في قلب الصحراء المغربية بجهاتها الثلاث ، و مكرسة حضورها الثقافي على الصعيدين الوطني والعالمي .
لذلك ، يعتبر التراث الثقافي الحساني رأسمال لا مادي ، يسهم في إشعاع المغرب عامة والأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص ، مقومات جعلت من أهل الصحراء يتشبثون بتقاليدهم وعاداتهم وتعاليم دينهم الإسلامي ، وبوحدتهم الترابية والوطنية في إطار البيعة التي ربطتهم على الدوام بملوك المملكة المغربية الشريفة .
وفي هذا الإطار، تنصهر الهوية المغربية الصحراوية التي تجسد ذاكرة أهل الصحراء المغربية مع الذاكرة الوطنية الأم لهوية الأمة المغربية العريقة وقيمها الأصيلة ، وعبرها تنفتح على ثقافات اخرى، كالاسبانية، و ديانات اخرى نموذجها الكنائس الكاتدرائية بحاضرتي الداخلة و العيون .
كما يستند امتداد الهوية المغربية الصحراوية الذي يشكل مزيجا متجذرا في الثوابت الدينية والوطنية المشتركة مع كل فئات المجتمع المغربي التي تشمل المذهب المالكي ومؤسسة إمارة المؤمنين والبيعة الشرعية والوحدة الترابية والسيادة الوطنية .
ومن هذا المنظور، يعتبر الموروث الثقافي الحساني ، ركيزة أساسية في المنظومة المجتمعية المتكاملة الشاملة لكل فئات النسيج البشري المغربي ، التي تلتئم في ثوابت الأمة المغربية ، في إطار يتسم بالاعتدال والوسطية والتسامح والسلام والتماسك ، ثوابت ومبادئ تعزز لحمة الوحدة الوطنية التي تشكل صمام أمن وآمان ضد كل مواقف التطرف والتعصب والنعرات الطائفية.
و بخصوص تمظهرات و تجليات قيم و مبادئ السلام في الموروث الثقافي الحساني ، فإننا نجدها في الشعر ( لغنا) و الحكايات الشعبية ( روايا) و الامثال الحسانية، هذه الأخيرة الزاخرة بالقيم الإنسانية الفاضلة الرفيعة والسامية ، التي تخاطب فينا قيم المشترك الإنساني ، مبرزة قيم الخصال النبيلة التي تحث على الحوار و الإنفتاح و التسامح والتعاون والتآلف والاحترام المتبادل، كـ” حمل الجماعه ريش” و “الجار قبل الدار” ، و”عدلها مع الناس تصلح لك” …الخ
انها حافلة بمبادئ مثلى تعنى بضرورة الحفاظ على العلاقات الاجتماعية التى هي اساس السلام والعدالة في جو من التواصل الانساني الإيجابي مع احترام خصوصيات وقناعة الآخر…
إننا خلقنا لنتواصل و نتفاهم، مصداقا لقوله تعالى:” إنا خلقناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا”.
الاكيد ، ان الثقافة في جوهرها ليست مجرد موروث محلي أو رصيد من العادات والتقاليد، بل هي جسر للتواصل، ووسيلة لترسيخ قيم التعايش والسلم والمحبة، وحماية المشترك الإنساني للسلام الجامع.
وإذا تأملنا في الثقافة الحسانية، باعتبارها إحدى المكونات الأصيلة للهوية المغربية، وجدناها زاخرة بالرموز والمعاني التي تعزز القيم الإنسانية الكونية التي تدعو إلى التعارف والحوار والتعاون والتواصل .
فالإنسان المغربي الصحراوي بلسانه و ثقافته الحسانية ، عاش في بيئة قاسية الملامح، لكن هذه القسوة أفرزت قيماً نبيلة، مثل: الكرم والجود في مواجهة البخل، الشجاعة في مقارعة الشدائد، التضامن في التصدي للمصاعب، ونصرة الضعيف وصون كرامة الضيف. وهي قيم تشكل لبناتٍ أساسية في صرح المشترك الإنساني.
ثم إن الشعر الحساني (لغن)، باعتباره ديوان اهل الصحراء، لم يكن مجرد ترف فني، بل وسيلة للتربية وبناء الوعي، ومجالاً لحل النزاعات وصون السلم الاجتماعي بالكلمة الصادقة والحكمة الرفيعة. كما أن الأمثال الشعبية تختزن تجارب إنسانية كونية، تعكس حكمة الأجداد وحرصهم على تثبيت معاني العدل والوفاء والتسامح.
ولا ننسى أن الثقافة الحسانية كانت عبر العصور ملتقىً للحضارات، فهي تجمع بين العربي والأمازيغي والإفريقي، وتشكل بذلك جسراً للتبادل والتعايش، حيث انفتح أهل الصحراء على الآخر عبر القوافل التجارية والرحلات العلمية، مما جعلهم وسطاء ثقافيين أسهموا في نشر المعرفة ، وربط الشمال بالجنوب.
إن استحضار هذه القيم اليوم ، هو استحضار لدور الثقافة الحسانية في تعزيز السلم الأهلي، وتغذية الحوار بين الثقافات، وتكريس الانفتاح على الآخر . فالمشترك الإنساني لا يتشكل من ثقافة واحدة، بل هو حصيلة إسهامات متعددة، والثقافة الحسانية جزء أصيل من هذا الرصيد العالمي للسلام .
ختاما ، اقول إن الثقافة الحسانية ليست مجرد ذاكرة محلية، بل هي رصيد إنساني يثري الحضارة الكونية بقيمها الخالدة. ومن واجبنا جميعاً العمل على صون هذا التراث، وتثمينه، ونشر رسائله الإنسانية، حتى يظل جسرَ محبةٍ وسلام وتواصلٍ بين الشعوب.
شكرا على حسن الإصغاء والتتبع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.