مدس- الربتط
يتضمن البرنامج الحكومي مجموعة من الالتزامات ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي، والتي تعهد رئيس الحكومة عزيز أخنوش بتنفيذها، إلا أن هذه الالتزامات يواجهها إكراه مادي يتجلى في ضرورة البحث عن أساليب مبتكرة لتمويل هذا البرنامج وتنزيله على أرض الواقع.
تعهدت الحكومة بتنفيذ عشرة التزامات رئيسية، خلال الخمس سنوات المقبلة؛ على رأسها إحداث مليون منصب شغل، والرفع من ميزانية قطاع الصحة، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة.
الإمكانات الضريبية
التزم البرنامج الحكومي بحماية وتوسيع الطبقة الوسطى وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة في العالم القروي، وتعبئة المنظومة التربوية بهدف تصنيف المغرب ضمن أحسن 60 دولة عالميا، ورفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 في المائة، وإحداث صندوق خاص، بميزانية تصل لمليار درهم بحلول سنة 2025، فضلا عن تشجيع الاستثمار وتنمية الاقتصاد الوطني.
ويرى خبراء الاقتصاد أن البرنامج الحكومي قدم وعودا هامة، تستجيب لانتظارات المواطنين خاصة في الشق الاجتماعي والاقتصادي، فيما لم يحدد بشكل دقيق مصادر تمويل هذا البرنامج.
وحسب ما جاء في مشروع قانون مالية سنة 2022، يتطلب تمويل الإصلاحات والمشاريع المقترحة في النموذج التنموي الجديد، الذي اعتمدت عليه الحكومة في برنامجها الانتخابي، تمويلا عموميا إضافيا يقدر بحوالي 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنويا خلال مرحلة الانطلاق (2022-2025) وحوالي 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام في أفق سنة 2030.
وفي ما يتعلق بالمصادر التي يمكن الاعتماد عليها لتفعيل وعود الحكومة، أوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، محمد الرهج، أن الحكومة تعول بالأساس على الضرائب لتمويل برنامجها، مشيرا إلى أن مشروع قانون مالية سنة 2022، يتوقع انتقال مداخيل الجبايات من 203 مليارات درهم إلى 230 مليار درهم، أي ما يعادل 27 مليار درهم إضافية بالنسبة للسنة المالية المقبلة.
ويقترح مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، كذلك، فرض ضريبة داخلية على الأجهزة الكهربائية الواسعة الاستهلاك، والتي ستخصص عائداتها لصندوق الحماية الاجتماعية ودعم التماسك الاجتماعي، من قبيل الثلاجات والمجمدات ومكيفات الهواء وغيرها.
كما تعد عائدات أسهم الدولة من بين أهم مصادر التمويل، إذ تمت برمجة 14 مليار درهم في مشروع قانون مالية 2022، “رغم أن هذا المبلغ يظل ضئيلا”، وفق الرهج.
وفي ما يتعلق بالديون الداخلية، أوضح الخبير الاقتصادي، في تصريح لـSNRTnews، أن المغرب تعدى الحد المسموح به من طرف المنظمات الدولية وصندوق النقد الدولي الذي ينص على عدم تجاوز الخزينة نسبة 60 في المائة من المديونية، مشيرا إلى أن مديونية المملكة بلغت 77 في المائة ويتوقع أن تصل إلى حوالي 80 في المائة.
“وما تبقى سيهم اللجوء إلى القروض الخارجية، بحيث سنصل إلى ما يعادل 94 و95 في المائة من الإنتاج الداخلي وهو المبلغ الهائل للدين المستحق على الخزينة والمؤسسات العمومية والجماعات”، يقول الرهج.
توسيع المداخيل الجبائية
ولتفادي اللجوء إلى المزيد من الاستدانة، يرى أستاذ التعليم العالي أن توسيع المداخيل الجبائية يعد الحل الأمثل للتمويل، “ففي انتظار إصلاح النظام الضريبي الذي سيتطلب سنوات، يجب أولا تفعيل مبدأ التساوي بين الشركات والأفراد في أداء الضرائب”، مبرزا أنه مبدأ دستوري وارد في الفصل 39، ويسعى بالأساس إلى توسيع المداخيل.
ولتفعيل هذا المبدأ يجب تشديد المراقبة الجبائية، بحسب الرهج، مبرزا أن المملكة تتوفر على إدارة جبائية مرقمنة ولديها جميع المعطيات، لتوسيع نظام المراقبة، موضحا أن كل مراقبة تنتهي بمداخيل مهمة تستفيد منها الدولة، إضافة إلى الغرامات والذعائر.
كما يشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة هيكلة جزء مهم من القطاع غير المهيكل، مشيرا إلى وجود مقاولات منظمة تنتمي لقطاعات مهمة ولها عائدات لا يستهان بها، إلا أنها ترفض أداء الضريبة والتصريح بعمالها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، “ما يستدعي البحث عن طرق تحفيزية لاستقطابها إلى القطاع المهيكل وإدخالها في الوعاء الضريبي”.
وأكد الرهج أن الإدارة الجبائية أصبحت مطالبة بتوسيع الوعاء الجبائي، خاصة في ظل وجود تفاوتات ضريبية سواء بين الشركات أو الأشخاص الذاتيين، مشيرا إلى أن الاستمرار في النظام الحالي لن يساعد على توفير موارد تمويلية، نظرا لمحدودية الموارد الجبائية.
موارد مالية محدودة
من جهته، يرى أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن أهم ورش مطروح أمام الحكومة هو ورش الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الذي يحتاج إلى محفظة مالية مهمة.
وأبرز السعيد، في تصريح لـSNRTnews، أن الاقتصاد المغربي يعتمد على مداخيل غير مستقرة، مثل القطاع الفلاحي الذي يظل مرتبطا بالتساقطات المطرية وبطبيعة الموسم الفلاحي الذي يكون تارة جافا وتارة منتجا.
كما يعول الاقتصاد الوطني على تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، يضيف السعيد، والتي ترتبط أيضا بالتوازنات الاقتصادية وبالسياق العالمي، “إذ تؤثر الأزمة الاقتصادية على هذه التحويلات، فيما ينعكس انفراجها بشكل إيجابي على الموارد الداخلية للمملكة”.
وتواجه المملكة، وفق السعيد، تحديا يتعلق بأسعار النفط التي تؤثر بشكل مباشر على الوضع الداخلي، “علما أنها تشهد في الأيام الأخيرة ارتفاعا قياسيا على المستوى العالمي، والذي كان له أثر ملحوظ على العديد من المواد الاستهلاكية والغذائية”.
وأشار إلى وجود تحد عميق يتعلق بتمويل البرنامج الحكومي في ظل هذه الفرضيات، متسائلا، في هذا الإطار، “إن كانت الحكومة ستلجأ إلى القروض لتمويل هذه المشاريع الاجتماعية والاقتصادية خاصة المرتبطة بدعم المقاولات الصغرى وبالإقلاع الاقتصادي”.
ويرى الأستاذ المتتبع للشأن السياسي أن إشكال التمويل يظل عقدة البرنامج الحكومي “خاصة وأن معدل النمو في المغرب اليوم يتراوح بين 3,5 في المائة و4 في المائة، كما أن معدل تضخم الميزانية لم يتم ضبطه ومازال يصل إلى 3 في المائة وأحيانا إلى 2,5 في المائة، وكلها إكراهات وقيود تؤثر على بلورة هذه المشاريع الكبرى التي سطرها البرنامج الحكومي في الخمس سنوات المقبلة”.
أما في ما يتعلق بالإصلاح الضريبي، فقد أبرز السعيد أنه ورش كبير تعمه إشكالات عديدة، موضحا أن أثر الإصلاح لن يظهر بشكل مباشر خلال السنوات الأولى من عمل الحكومة.
وأكد الأستاذ الجامعي أن هذه المشاكل التمويلية تحد من طموح البرنامج الحكومي، مبرزا أنه برنامج غني ويعتمد في مرجعيته على تقرير النموذج التنموي ويشكل امتدادا للبرامج الانتخابية لأحزاب الأغلبية، كما يتجاوب مع تطلعات المواطنين، لكن، يقول مستدركا، “يبقى إشكال تفعيله مرتبط أساسا بإيجاد طرق مبتكرة للتمويل في ظل استمرار مجموعة من الإكراهات المادية المرتبطة بالقطاعات غير المستقرة ومعدل النمو وارتفاع أسعار المحروقات”.